النائب د. فايز بصبوص
عندما بعث جلالة الملك برسالة إلى شيخ (انيانج) السفير الأممي رئيس لجنة الأمم المتحده المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، أراد جلالته ان يبعث برسالة أممية دولية واضحة تجلي ضبابية الأوهام السياسية فيما يخص القضية الفلسطينية وأولويتها ومركزيتها، وأن زحام المشاريع التي سادت الأبعاد السياسية للقضية الفلسطينية والتي تركت انطباعاً عن تراجع موقعها لا يعبر عن الحقيقة مطلقاً، بأن هذه القضية محورية مركزية مصيرية بالنسبة للأردن شعباً ومؤسسات ومليكاً..
لذلك ركز جلالته على إعادة التذكير بالثوابت السياسية والتاريخية والروحية، والأهم من كل ذلك القيمية التي ينطلق من خلالها كل تحرك دبلوماسي أردني اتجاه هذه القضية، وذلك قد تم معالجته في كثير من المقالات والتحليلات.
لذلك ساركز في هذه المقالة على مضمون غاب كلياً عن مراقبة التدرج الخلاق والمبدع للقيادة الهاشمية في معالجة مفهوم التكامل الوطني والعروبي في سياق عملية التشتيت والضبابية السياسية التي وسمت الأعوام السابقة، ذلك أن الأردن اثبت ومنظمة التحرير الفلسطينية مستوى غير مسبوق في التكامل والتنسيق والتعاون وتبادل الأدوار ما أدى بنهاية المطاف إلى تجميد ولو مرحلي لاستكمال مشروع «صفقة القرن» وتفرعاتها وآخرها مشروع الضم.
فالسياسة الأردنية التي عهدناها على مدار التاريخ كانت دائماً تبحث عن التكامل والوئام السياسي من أجل محاربة انبعاث فكرة الشعبوية المقيتة، والتي أدت إلى التقوقع على الذات، وإلى جمود فكري وسياسي وأخلاقي وعقائدي كان قد حذر منه جلالة الملك في كل خطاباته التي اتسمت ببعد إنساني استثنائي قبل كارثة كورونا، فقد نادى دائماً بالعدالة والمساواة وشمولية الحلول للقضايا الإقليمية والدولية ولم يلتفت إلى هذا الخطاب إلا قلة قليلة من القادة المتنورين وأصحاب الفكر النير.
ونتيجة لظهور جائحة كورونا ترسخ مفهوم أن عولمة الكوارث لا تتطلب خططاً وسنين من الإعداد والبناء كما هي العولمة الاقتصادية والسياسية، فالكوارث الإنسانية عابرة للقارات والحواجز الوهمية بين الإنسان والآخر، وأن أنسنة السلوك السياسي أصبحت هدفاً حقيقياً لكل القادة الإنسانيين والسياسيين، وهذا ما أثبتته تلك الكارثة التي لم تتوقف ولن تتوقف عند حدود الحواجز الطبقية.
إن هذه المقدمة جاءت من اجل ان نستطيع ان نستوعب ونفهم أن القيادة الهاشمية ومنظمة التحرير في سياق هذه الفوضى الدولية وفي سياق الأولويات الشعبوية ورسوخ مفهوم النخبوية السياسية قد أثبتت أن التكامل العروبي وخاصة بين الشعبين الأردني والفلسطيني كان وما زال وسيبقى عنواناً حقيقياً لصناعة الإنجازات وذلك يتطلب تضحيات هائلة على كل الأصعدة فالوقوف أمام التيار الشعبوي وافرازاته من «صفقة القرن» وتفرعاتها والانجرار نحو وهم الانسلاخ عن الواقع الموضوعي والسياسي لدول الإقليم يعبر عن عدم فهم حقيقي لقوانين التاريخ الموضوعية التي صنعت من الصمود الأردني والفلسطيني على كل الأصعدة سياسياً وتنموياً واقتصادياً ومحاولات لتهميش دور رسالة الثورة العربية الكبرى والدفع باتجاه البحث عن المصالح الخاصة ستفشل.
لذلك وقف الاردن جنباً الى جنب وكتفاً إلى كتف مع الشعب الفلسطيني بحنكة سياسية ودبلوماسية قادها باقتدار جلالة الملك.
صدقوني، أن التاريخ سيكتب عن تلك الحنكة السياسية تحت عنوان كيف استطاعت القيادتان الأردنية والفلسطينية أن تصنعا إسناداً دولياً قل نظيره حول الحل العادل للقضية الفلسطينية، فانعكس هدف «التهميش» للدور الأردني والفلسطيني إلى تهميش حقيقي لكل عّرابي «صفقة القرن» ومشروع الضم.